
هل آن الأوان لإنهاء التوقيت الصيفي في أوروبا؟ جدل مستمر بين الحاجة والتأثيرات السلبية
يتجدد النقاش في أوروبا، كما في كل عام خلال شهري مارس وأكتوبر، حول مسألة التوقيت الصيفي. يتساءل المواطنون ما إذا كان عليهم تقديم الساعة أو تأخيرها، في وقت تتوالى فيه التحذيرات من تأثير هذه التغييرات على النوم والصحة والمواعيد اليومية.
بدأ الحديث الجدي عن إلغاء التوقيت الصيفي منذ عام 2018، عندما اقترحت المفوضية الأوروبية إنهاء هذه الممارسة الموسمية بعد أن أعرب نحو أربعة ملايين مواطن أوروبي عن دعمهم لذلك في استشارة عامة. وفي العام التالي، أبدى البرلمان الأوروبي تأييده للمقترح، لكن المشروع توقف بسبب تباين الآراء بين الدول الأعضاء.
حالياً، تسعى بولندا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي حتى يوليو المقبل، إلى إعادة هذا الملف إلى الواجهة، حيث ستُعقد محادثات تقنية مع الدول الأعضاء بنهاية أبريل الجاري لاستكشاف إمكانية التوصل إلى توافق حول إلغاء تغيير التوقيت.
تاريخياً، بدأت بعض الدول الأوروبية في اعتماد التوقيت الصيفي خلال الحرب العالمية الأولى، لكنه تراجع لاحقاً قبل أن يعود في سبعينيات القرن الماضي مع أزمة الطاقة، حيث رُوّج له كوسيلة لتوفير استهلاك الكهرباء. وفي عام 1980، وضع الاتحاد الأوروبي أول تشريع موحد لتنظيم التحول إلى التوقيت الصيفي، والذي يُطبق حالياً في آخر أحد من شهر مارس، ثم يُلغى في آخر أحد من أكتوبر.
لكن السؤال المطروح اليوم: هل يوفر التوقيت الصيفي طاقة فعلاً؟
تشير تقارير، مثل تقرير وكالة البيئة الألمانية، إلى أن الأثر على استهلاك الطاقة ليس حاسماً، حيث إن الاستفادة من ضوء النهار مساءً يقابلها زيادة في استهلاك التدفئة صباحاً خلال الربيع والخريف. وتشير أغلب الدراسات إلى أن الوفورات الطاقية، إن وجدت، فهي محدودة للغاية.
أما من الناحية الصحية، فقد تزايدت الدراسات التي تشير إلى آثار سلبية للتوقيت الصيفي، بما في ذلك اضطرابات النوم، وارتفاع معدلات الاكتئاب، خصوصاً بعد التحول إلى التوقيت الشتوي. دراسة دنماركية مثلاً كشفت أن نسبة الإصابة بالاكتئاب ترتفع بنسبة 11% خلال الأسبوع التالي لتغيير التوقيت. ويؤكد بعض الخبراء أن اضطراب الساعة البيولوجية يؤثر سلباً على إفراز الهرمونات ويُربك النظام العصبي.
مع ذلك، يرى آخرون أن جسم الإنسان قادر على التكيف مع فارق الساعة، وأن التأثيرات السلبية لا تطال إلا فئة محدودة، مثل كبار السن أو المصابين بأمراض مزمنة. وتوضح الطبيبة البلغارية ديانا ديتشوفسكا أن غالبية الناس يتأقلمون في غضون أسبوع من التغيير.
وفي استطلاع للرأي أجري عام 2018، أعرب 84% من المشاركين، معظمهم من ألمانيا والنمسا، عن تأييدهم لإلغاء تغيير التوقيت، وتفضيلهم لجعل التوقيت الصيفي دائماً. غير أن تفاوت نسب المشاركة بين الدول أدى إلى غياب توافق أوروبي شامل.
ورغم محاولة بولندا تحريك الملف من جديد، إلا أن الدول التي ستخلفها في رئاسة الاتحاد، مثل الدنمارك وقبرص، لا تُبدي اهتماماً خاصاً بالقضية، مما يقلل من فرص الدفع نحو قرار نهائي.
ويكمن أحد التحديات الأساسية في غياب إجماع حول نوع التوقيت الذي ينبغي اعتماده دائماً، الصيفي أم الشتوي. فهناك تباينات جغرافية تؤثر على القرار؛ فإذا اعتمدت دول مثل بلجيكا وهولندا التوقيت الصيفي بشكل دائم، فإن شروق الشمس في الشتاء سيتأخر إلى ما بعد الثامنة صباحاً، أما في حال اعتماد التوقيت الشتوي، فستشرق الشمس في بعض المناطق الشرقية مثل بولندا قبل الساعة الرابعة صباحاً خلال الصيف.
كما أن تقسيم الاتحاد الأوروبي إلى ثلاث مناطق زمنية يزيد من تعقيد التوافق. فإذا اختارت فرنسا وألمانيا مثلاً توقيتاً مختلفاً عن جاراتهما، فقد تظهر مشاكل في التنسيق على مستوى الاقتصاد والنقل.
وفي ظل غياب اتفاق سياسي وجغرافي واضح، يبدو أن أوروبا ستستمر في تطبيق التوقيت الصيفي على الأقل في المستقبل القريب، رغم ما يطرحه من تحديات. ويبقى السؤال مطروحاً: هل آن الأوان فعلاً لإنهاء هذه الممارسة التي باتت محل جدل دائم؟