
الفصل 507: بين حماية الأمن وتهديد العدالة
بوصفي صحفيا معنيا بتحولات المجتمع وسلوك الأفراد في ظل النصوص القانونية، لفت انتباهي الجدل المتصاعد حول الفصل 507 من القانون الجنائي. هذا الفصل، الذي يعاقب كل من يحمل سلاحا في سياق جريمة، حتى دون استعماله، أثار موجة من الآراء المتباينة بين من يراه حماية ضرورية للأمن العام، ومن يعتبره عقابا مبالغا فيه قد يطول أبرياء بالخطأ أو تحت ظرف التواجد الخاطئ في المكان والزمان.
شخصيا، لا أجد أي مبرر للتهاون مع من يحمل السلاح بنية التهديد أو الترهيب، وأتفق تماماً مع ضرورة ردع هذه الفئة بكل صرامة. فالمجتمع لا يمكن أن يعيش تحت رحمة السكاكين والسواطير، ولا يحق لأي كان أن يعطل الإحساس بالأمان لدى المواطنين، سواء في الأزقة أو وسائل النقل أو حتى داخل البيوت. لكن، بالموازاة مع ذلك، أجد أنه من واجبنا أن نطرح السؤال حول مدى عدالة النص حين يطبق بشكل جامد لا يفرّق بين المجرم المتعمد ومن زلت به قدمه أو وجد في مسرح الجريمة دون نية الإيذاء.
لقد سجلنا حالات واقعية لشباب لم تتجاوز أعمارهم العشرين، وجدوا أنفسهم متورطين فقط لأنهم كانوا برفقة شخص يحمل سلاحا، أو لأنهم جلسوا صدفة في سيارة ارتُكبت فيها جريمة. والمؤسف أن العدالة حين تمارس بهذه الطريقة تصبح أداة تهشيم بدل أن تكون وسيلة تقويم.
الإحصائيات الرسمية الأخيرة للمعتقلين الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة، اكدت رقما مرعبا يستدعي دق ناقوس الخطر. فهل نحن نبني مجتمعا آمنا من خلال الزجر فقط؟ أم أننا بحاجة إلى تربية وقائية تعيد الاعتبار للثقة والقيم والانتماء؟ وهل يكفي سجن الشباب سنوات طوال، دون أن نسأل كيف ولماذا وصلوا إلى ذلك الوضع؟
من المؤكد أن حماية المواطنين واجب مقدّس، ومن المؤكد أيضاً أن التساهل مع حاملي السلاح خط أحمر، لكننا نحتاج إلى عدالة تراعي التفاصيل، لا عدالة تكتفي بالحكم وفق القوالب الجاهزة. لأن الخوف، مهما اشتد، لا يبني استقرارا حقيقيا، بل الذي يبنيه هو توازن بين الردع والرحمة، بين القانون والعقل، بين العقوبة والكرامة.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى مقاربة جنائية جديدة لا تُقصي القانون، بل تفعّله بروح الإنصاف. نحتاج إلى جرأة في طرح الأسئلة، وإلى شجاعة في تصحيح المسار. لأن مجتمعا يعاقب دون أن يفهم، قد يتحوّل هو نفسه إلى ضحية في نهاية المطاف.