
الحرب السيبرانية.. بين السبات و اليقظة
تُعرف الحرب السيبرانية عمومًا بأنها سلسلة من الهجمات الإلكترونية المنظمة التي تستهدف دولة أو جهة معينة، وتمتلك قدرة عالية على التدمير، سواء على مستوى البنية التحتية المدنية والحكومية، أو حتى الأرواح. ورغم التصاعد الملحوظ في وتيرة هذه العمليات، فإن المجتمع الدولي لم يتوصل بعد إلى تعريف قانوني موحد يُحدد ما إذا كانت تلك الهجمات تُعدّ فعلاً حربًا سيبرانية.
أنواع الهجمات السيبرانية
تصنف الهجمات السيبرانية إلى سبعة أنواع رئيسية:
1. التجسّس السيبراني:
يتمثل في مراقبة الدول أو المنظمات لسرقة بيانات حساسة، باستخدام تقنيات مثل شبكات الروبوتات أو التصيّد الاحتيالي. يشكل هذا النوع تهديداً خطيراً لأمن المعلومات الوطني.
2. التخريب السيبراني:
يشمل تدمير أو سرقة المعلومات، وغالباً ما يتم من خلال استغلال التهديدات الداخلية من موظفين خبيثين أو مهملين داخل النظام المستهدف.
3. هجمات رفض الخدمة (DoS):
تسعى إلى تعطيل المواقع الإلكترونية عبر إغراقها بطلبات وهمية، ما يؤدي إلى توقف الخدمة وعدم قدرة المستخدمين الشرعيين على الوصول إليها.
4. الهجمات على شبكات الطاقة:
تستهدف أنظمة الكهرباء والبنية التحتية الحيوية، مما يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في الدولة.
5. الهجمات الدعائية:
تُستخدم لنشر الإشاعات والمعلومات الكاذبة بهدف زعزعة الثقة في المؤسسات وإثارة الفوضى الاجتماعية والسياسية.
6. الإضطراب الاقتصادي:
تستهدف الأنظمة المالية كالبنوك والبورصات بهدف سرقة الأموال أو تعطيلها، مما قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية خطيرة.
7. الهجمات المفاجئة:
تشبه الهجمات التقليدية من حيث المباغتة، وتُنفذ بهدف تدمير الدفاعات السيبرانية للخصم، كما حدث في هجوم “بيرل هاربر” ولكن بأسلوب رقمي.
أبرز أمثلة على الحرب السيبرانية
– فيروس “ستوكسنت” (2010):
استهدف البرنامج النووي الإيراني، ويُعتقد أنه صُمم من طرف الولايات المتحدة وإسرائيل، ما تسبب في تعطيل كبير للمنشآت النووية.
– اختراق Sony Pictures (2014):
نفذه قراصنة يُعتقد بانتمائهم إلى كوريا الشمالية، احتجاجًا على فيلم “المقابلة” الذي تناول الزعيم الكوري الشمالي.
– الهجوم على إستونيا (2007):
تعرضت لهجمات من نوع “رفض الخدمة” عقب نقل تمثال “الجندي البرونزي”، وأدى إلى شلل شبه كامل في البنية التحتية الرقمية للدولة.
– “الدب المزخرف” (Fancy Bear):
مجموعة قرصنة روسية استهدفت القوات الأوكرانية عبر تطبيقات خبيثة، ما أدى إلى تدمير نسبة كبيرة من المدفعية.
سبل مكافحة الحرب السيبرانية
في غياب إطار قانوني دولي واضح، ظهرت مبادرات لمحاولة تنظيم المجال السيبراني، من أبرزها:
– دليل تالين:
أصدره مركز الدفاع السيبراني التعاوني التابع لحلف الناتو، ويُعد مرجعًا قانونيًا يوضح كيفية تطبيق القانون الدولي على الفضاء الرقمي.
– ألعاب الحرب السيبرانية:
محاكاة لهجمات سيبرانية تُستخدم لتقييم جاهزية الدول واختبار الأنظمة الدفاعية، والكشف عن نقاط الضعف.
الدفاع السيبراني متعدد الطبقات
تتبنى الدول سياسات دفاعية ترتكز على:
تعزيز الوعي الأمني لدى الأفراد والمؤسسات.
تحسين التعاون بين القطاعين العام والخاص.
تأمين أنظمة الشركات الخاصة عبر جدران الحماية وتقنيات الاستجابة السريعة.
المغرب والحرب السيبرانية
في هذا السياق، شهد المغرب مؤخرًا حادثة بارزة تمثلت في اختراق مجموعة من “الهاكرز” الجزائريين للموقع الإلكتروني لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل، ما أدى إلى تسريب بيانات حساسة لنحو مليوني موظف مسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي الوطني.
ورغم نفي الوزارة المعنية أن يكون الاختراق قد طال قاعدة البيانات، إلا أن الحادث يسلط الضوء على هشاشة البنية السيبرانية الوطنية، خاصة في ظل تصاعد محاولات النظام العسكري الجزائري للمساس بالمكتسبات الاستراتيجية التي حققها المغرب، خصوصًا على صعيد الدفاع عن وحدته الترابية، وفي مقدمتها أقاليمه الجنوبية المسترجعة.
أصبحت الحرب السيبرانية جبهةً جديدة لا تقل خطورة عن الجبهات التقليدية، بل تفوقها تعقيدًا وغموضًا في كثير من الأحيان. وفي ظل تسارع الهجمات وتطور تقنياتها، تبرز الحاجة الملحة إلى تشريعات دولية واضحة، وإلى تنسيق وثيق بين القطاعين العام والخاص لضمان الأمن السيبراني وحماية المصالح الوطنية في العصر الرقمي.