تصاعد الجرائم الإلكترونية وتحذيرات من آثارها الاجتماعية والنفسية
تزايدت في السنوات الأخيرة حدة الجرائم الإلكترونية التي باتت تهدد الأفراد والمجتمعات بشكل غير مسبوق. ومع تقدم التكنولوجيا وتوسع استخدامها في حياتنا اليومية، أصبحت هذه الجرائم تتنوع وتتخذ أشكالًا متعددة، مثل الابتزاز الإلكتروني، انتحال الهوية، التحرش الرقمي، والإساءة عبر الإنترنت. وقد حذر خبراء في مجالات القانون والاجتماع والنفس من تحول هذه الجرائم إلى ظاهرة اجتماعية تؤثر على نسيج المجتمع بشكل عميق.
في هذا السياق، أشار المحامي عبد العزيز خليل إلى أن المشرع المغربي أبدى اهتمامًا بالغًا بمكافحة الجرائم الإلكترونية عبر إصدار قانون خاص بها. هذا القانون، الذي يعتبر مكملًا للقانون الجنائي، يجرم كافة الأفعال التي يتم ارتكابها باستخدام الآليات الإلكترونية مثل اختراق الأنظمة وحواسيب الأفراد. وقد أضاف خليل أن هذا التشريع يهدف إلى التصدي للأفعال التي تضر بالأمن الرقمي، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الأفراد المتضررين.
من جهة أخرى، يشير أستاذ علم الاجتماع مصطفى الشكدالي إلى أن الجرائم الإلكترونية لا تقتصر على التعدي على القوانين فقط، بل تتحول إلى جرائم اجتماعية بامتياز. فهذه الجرائم لا تقتصر على التأثيرات القانونية، بل تمتد إلى نواحي اجتماعية تؤثر على سلوك الأفراد في المجتمع. فالتشهير الإلكتروني، على سبيل المثال، يتجاوز العالم الرقمي ليؤثر في العلاقات الاجتماعية، حيث يشعر الضحية بالعزلة والحرج، مما يعزز من معاناته في محيطه الاجتماعي.
أما على المستوى النفسي، فإن الأخصائية النفسية مريم القاسم تؤكد أن الأثر النفسي للجرائم الإلكترونية يمكن أن يكون خطيرًا. ففي حالات الابتزاز أو التحرش الرقمي، يعاني الضحايا من اضطرابات قلق مستمرة، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى اكتئاب أو اضطرابات نفسية أخرى. الضحية يشعر بالتهديد الدائم والخوف من تعريض حياته الخاصة للمزيد من الانتهاك، وهو ما يؤثر على استقراره النفسي بشكل كبير.
ومن جهة أخرى، فإن التقارير الواردة من منصة “إبلاغ” المخصصة لتبليغ الجرائم الإلكترونية تشير إلى تصاعد وتيرة هذه الجرائم، حيث تم تسجيل ما يقارب 12 ألف إشعار منذ إطلاق المنصة في يونيو 2024. وكانت أغلب البلاغات تتعلق بالتشهير الإلكتروني، التهديدات، الابتزاز الجنسي، وانتحال الهوية. هذه الأرقام تعكس مدى خطورة الوضع وتبرز الحاجة الماسة إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأبعاد هذه الجرائم وتأثيراتها.
إجمالًا، تبرز الجرائم الإلكترونية كتهديد مزدوج: قانوني واجتماعي. ففي حين أن المشرع يسعى لمكافحة هذه الظاهرة عبر تشريعات وقوانين، يجب على المجتمع أن يتكاتف للتصدي لهذا التحدي من خلال تعزيز الوعي الرقمي، والعمل على حماية الأفراد من تبعات هذه الجرائم التي يمكن أن تدمر حياتهم الاجتماعية والنفسية.