حين تعصف الرياح من الجنوب.. أنبوب المغرب يشرق من رماد المشروع الجزائري

0

 

في عمق الصحراء الإفريقية، لا تُبنى المشاريع الاستراتيجية الكبرى مثل أنابيب الغاز العابرة للقارات على مجرّد النوايا والتصريحات، بل تُقام على أسس الثقة السياسية، والاستقرار الإقليمي، والتكامل الاقتصادي. ويبدو أن مشروع أنبوب الغاز المغربي-النيجيري بدأ يرسّخ موقعه باعتباره خياراً واقعياً وجذاباً، في ظل الانهيار المتسارع لمشروع الجزائر في المنطقة.

ان التوتر المتصاعد بين الجزائر ودول الساحل، وعلى رأسها النيجر، يهدد بنسف مشروع أنبوب الغاز الذي كانت الجزائر تراهن عليه لربطها بنيجيريا. فبعد سلسلة من التوترات الدبلوماسية مع مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والتي بلغت حد سحب السفراء، أضحت الجزائر في عزلة إقليمية عميقة، ما يضعف مصداقيتها كشريك موثوق في مشاريع استراتيجية ذات بعد قاري.

ومع تدهور علاقات الجزائر مع جيرانها في الساحل لا يعكس فقط فشلاً دبلوماسياً، بل يعمق عزلتها الاستراتيجية ويضع علامات استفهام حول قدرتها على قيادة مشروع اقتصادي بحجم أنبوب الغاز. وقد أصبح المشروع الذي كانت الجزائر تراهن عليه بمثابة حلم يتلاشى، بفعل هشاشة الأمن في المنطقة، وغياب الثقة السياسية والاقتصادية في هذا البلد المغاربي.

في المقابل، يواصل المشروع المغربي النيجيري التقدّم بخطى ثابتة، بفضل ما يحمله من رؤية تنموية واستقرار سياسي. فالمغرب ينسج شراكاته على أساس التعاون والتكامل، ويطرح بديلاً جذاباً للجهات الممولة، يجمع بين الواقعية الاقتصادية والرؤية الجيوسياسية الهادئة.

ان التوترات الجيوسياسية الحالية بين الجزائر ودول الساحل، خاصة مع النيجر، تلقي بظلال قاتمة على فرص تنفيذ مشروع الجزائر. فالنيجر، التي تُعد دولة عبور أساسية، تعيش حالة من القطيعة مع الجزائر، ما يجعل التعاون المطلوب لإنجاح المشروع شبه مستحيل.

البيئة المضطربة في منطقة الساحل، وتصاعد التهديدات الإرهابية، وتراجع الاستقرار السياسي، كلها عوامل تنفر المؤسسات المالية والمستثمرين المحتملين. وفي ظل هذه المعطيات، يفقد المشروع الجزائري جاذبيته، بينما تزداد جاذبية المشروع المغربي، رغم طول مساره وتعقيداته اللوجستية.

ويتميّز أنبوب الغاز المغربي بمسار ساحلي أكثر أماناً، ويجنّب المرور المباشر عبر بؤر التوتر في الساحل، ما يقلل من المخاطر الأمنية، ويزيد من فرص نجاحه. كما أن سمعة المغرب من حيث الاستقرار السياسي والانفتاح الاقتصادي، تجعله وجهة مفضّلة للمستثمرين، خصوصاً في المشاريع طويلة الأمد.

وبينما تتعثر مشاريع الجزائر في الرمال المتحركة للصحراء، يواصل أنبوب المغرب-نيجيريا شق طريقه بثقة، متكئاً على نهج تنموي يراهن على المصالح المشتركة والتكامل الإقليمي، بعيداً عن التوترات والرهانات الخاسرة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.