المرأة المغربية: تحديات التشريعات والممارسات نحو المساواة الفعلية

0

على مر العصور، شهدت قضية المرأة تحولات هامة على مختلف الأصعدة: الاجتماعية، السياسية، والاقتصادية. على الصعيد الدولي، شكلت الحركة النسوية العالمية منذ بدايات القرن العشرين دعوة قوية للعدالة والمساواة بين الجنسين. هذه الجهود توجت بالتبني الرسمي للمبادئ التي تنص على حقوق المرأة في المواثيق الدولية مثل “إعلان حقوق الإنسان” (1948)، “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (CEDAW) التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1979، بالإضافة إلى مؤتمرات مثل “مؤتمر بكين” 1995 الذي دعا إلى تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في صنع القرار. تزامنًا مع هذه التحولات الدولية، اتخذت الحركة النسائية المغربية مسارًا موازياً في النضال من أجل حقوق المرأة، حيث قدمت مطالبها في سياق تحولات سياسية واقتصادية داخلية وخارجية.

 

الحركة النسائية في المغرب: من النخبوية إلى شمولية المطالب

تاريخ الحركة النسائية في المغرب يعود إلى فترة ما بعد الاستقلال، حيث كانت غالبية المطالب النسائية تقتصر على النخبة الحضرية من النساء، وكانت أغلبها تابعة للأحزاب السياسية، مما جعل المطالب الاجتماعية والاقتصادية للنساء تُركّز في نطاق محدود. ومع مرور الوقت، وخاصةً منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأت الحركة النسائية تتحول نحو مطالب شمولية مركزة على التمييز ضد النساء وداعية إلى المساواة في الحقوق والفرص. تأثرت الحركة النسوية بالتحولات العالمية مثل المؤتمرات الأممية الخاصة بالمرأة، وامتد تأثير هذه التحولات ليشمل المغرب، حيث تم تبني قضايا النساء بشكل أوسع من خلال مؤتمرات دولية مثل مؤتمر بكين، مما ساهم في تحفيز التحرك الوطني نحو تشريعات أكثر عدالة.

 

دستور 2011: خطوة دستورية نحو المناصفة

شكل دستور 2011 نقطة تحول كبيرة في مسار حقوق المرأة في المغرب، حيث نص في الفصل 19 على مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والحريات، وأرسى مبدأ المناصفة. كما قام بتأسيس هيئة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز. تجسيدًا لهذه المبادئ، تم توسيع آليات المشاركة السياسية لتشمل آليات جديدة مثل العرائض والملتمسات التشريعية، مما منح النساء دورًا أكبر في التأثير على السياسات العمومية. ورغم هذه الخطوات الهامة، تظل التحديات الثقافية والمجتمعية قائمة، ما يتطلب مزيدًا من الإرادة السياسية لتفعيل المبادئ الدستورية على أرض الواقع.

 

مدونة الأسرة ومدونة الشغل: مكتسبات مهمة مع تحديات قائمة

على الصعيد التشريعي الداخلي، كان إصلاح مدونة الأسرة عام 2004 خطوة مهمة في ضمان حقوق المرأة، مثل حقها في الولاية على نفسها وحقها في الطلاق. ولكن هذه الإصلاحات ما زالت تثير نقاشات مستمرة حول قضايا مثل زواج القاصرات والمساواة في الإرث. أما مدونة الشغل لعام 2003، فقد ضمنت حقوق النساء العاملات في إطار حماية ضد التحرش، ومنعت الطرد بسبب الحمل، وأقرت إجازة أمومة بأجر. ورغم هذه المكتسبات، ما زالت هناك فجوات على مستوى التطبيق، مثل التمييز في الأجور وعدم تمثيل النساء في المناصب القيادية.

 

المشاركة السياسية: بين “الكوطا” والتأثير الفعلي

رغم أن المرأة المغربية حصلت على حقوقها السياسية منذ عام 1962، إلا أن تمثيلها في مراكز القرار ظل محدودًا بسبب العوامل الاجتماعية والثقافية. وبتبني نظام “الكوطا” في عام 2002، تمكنت النساء من دخول البرلمان بتمثيل مخصص، وهو ما ساعد في زيادة نسبة تمثيلهن تدريجيا. ومع دستور 2011، تم تعزيز هذه الخطوات، ولكن التحديات الثقافية والمجتمعية لا تزال قائمة، مما يتطلب مزيدًا من الإرادة السياسية لتفعيل المبادئ الدستورية على أرض الواقع.

 

المطالب النسائية في فاتح ماي: الاعتراف بعمل المرأة غير المؤدى عنه

من جانب آخر، يأتي فاتح ماي، العيد الأممي للشغل، ليتزامن مع مطالب الحركة النسائية المغربية التي تطالب بالاعتراف بعمل المرأة داخل المنزل كعمل غير مؤدى عنه. يتضمن هذا العمل العديد من الأنشطة التي لا تقتصر على تدبير الأسرة ورعاية الأطفال بل تساهم بشكل مباشر في الاقتصاد الوطني. يطالب القطاع النسائي بتثمين هذا العمل وإدراجه ضمن السياسات العمومية، وهو أمر يتماشى مع مقتضيات دستور 2011 التي نصت على المساواة بين الرجل والمرأة في كافة المجالات. كما تطالب النساء بتكريس مبادئ المناصفة في سوق الشغل، وضمان المساواة في الأجور، وتوفير ظروف عمل لائقة في القطاعات الهشة. وأحد المطالب الحيوية هو إقرار عطلة أبوة موسعة لتشجيع المشاركة المشتركة بين الرجل والمرأة في تدبير شؤون الأسرة.

 

تحديات ثقافية ومجتمعية: معوقات أمام تحقيق المساواة الفعلية

على الرغم من الإنجازات التشريعية، يواجه المغرب تحديات ثقافية واجتماعية عميقة تتمثل في الصور النمطية حول دور المرأة في المجتمع. هذه الصور تستمر في فرض قيود على مشاركة النساء في المجال العام، سواء في السياسة أو الاقتصاد. وتعزز هذه الثقافة الذكورية المهيمنة على العديد من مؤسسات الدولة، مما يؤثر سلبًا على تمكين النساء من التأثير الفعلي في السياسة وصنع القرار. إذ تظل العقليات المحافظة تشكل عائقًا رئيسيًا أمام تطبيق مبدأ المساواة على أرض الواقع.

 

نحو تفعيل المناصفة الحقيقية:

إن التحدي الأكبر في المغرب اليوم لا يكمن فقط في تشريع قوانين جديدة، بل في تطبيق هذه القوانين وتغيير العقليات الاجتماعية. يتطلب هذا جهودًا متواصلة لإصلاح المؤسسات، وتوفير البيئة الملائمة التي تسمح للنساء بالتحقيق الفعلي للمساواة. إن المساواة لا تكمن في التوازن العددي فقط، بل في تمكين النساء من التأثير الفعلي في صنع القرار، مما يعزز الديمقراطية ويؤسس لمجتمع عادل ومنصف. تظل إرادة الدولة والضغط المستمر من الحركات النسائية هو المفتاح لتحقيق التمكين السياسي الحقيقي للمرأة المغربية، وصولًا إلى مجتمع أكثر عدالة ومساواة.

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.